ايلول اَت..فاقتلوه
كان هذا التصريح بمثابة الميلاد الرسمي لحالة الكراهية والرفض الاردني للتواجد الفلسطيني علي الاراضي الاردنية.
بعد ذلك بعدة شهور, وبالتحديد في يونيو 1970 كان قناصا فلسطينيا يختبئ في مئذنة المسجد الحسيني بوسط عمان ليطلق النار علي الملك" الحسين بن طلال" اثناء مرور موكبه لكن يشاء القدر ان تطيش الرصاصة لتستقر في ظهر "زيد الرفاعي" الذي كان يحاول ان يحمي ملكه.
وفي سبتمبر"ايلول"1970 بدا التحرك العسكري الحاسم للجيش الاردني لانهاء التواجد الفلسطيني – الذي كان بالفعل قد بدا يتحول الي "دولة داخل الدولة"- من الاراضي الاردنية نهائيا..
و نجح الملك الحسين بجيشه في ذلك.. ولكن بلا رحمة..
اذ قتل في هذا الشهر مئات الفلسطينيين من افراد منظمة التحرير, واستمر القتال حتي يوليو 1971 و انتهت المعركة بمغادرة الفصائل الفلسطينية الاردن متجهين الي لبنان..
كانت هذه الاحداث هي ما نسميه اليوم باحداث "ايلول الاسود"..
قصة طويلة هي قصة "ايلول الاسود"..لكنها بدات ببساطة عندما فتح الملك الحسين ابوابه لفصائل المقاومة ,و سمح لهم باستخدام اراضيه للتدريب العسكري و كقاعدة لتوجيه الضربات لاسرائيل عبر الحدود الاردنية الاسرائيلية.
و قد كانت ضرباتهم هذه موجعة الي الحد الذي اضطر " ليفي اشكول" رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك الي القيام بعملية اجتياح لبلدة "الكرامة" التي تقع علي الحدود الاردنية الاسرائيلية والتي كانت موقعا لتمركز قوات الفصائل الفلسطينية و كان ذلك في 21 مارس 1968.
وبالفعل اجتاحت القوات الاسرائيلية "الكرامة" وقتلت مايزيد عن 128 فلسطيني وكاد الجيش الاسرائيلي ان ينجح في عمليته لولا تدخل الجيش الاردني وتصديه لقوات اسرائيل بقيادة "مشهور الجازي", فقامت معركة كبيرة بين الجيشين عرفت باسم معركة " الكرامة" قتل فيها من الجانب الاسرائيلي 250 جندي وجرح 450 جندي وخسرت اسرائيل في هذه المعركة مئات القطع الحربية..
مشهور الجازي
و كانت معركة " الكرامة" هي اول انتصار لجيش عربي علي اسرائيل..
ولكن بعد هذا النصر, لم تسر الامور علي ما يرام..اذ كانت تصرفات افراد الفصائل الفلسطينية داخل الاردن مقلقة الي حد كبير..بل وصلت الي حد الاستفزاز..فمن التعرض لافراد القوات الامنية الاردنية الي الاستهزاء بسلطة القوات المحلية الي جمع الاموال بشكل شبه جبري تحت اسم " ضريبة القضية الفلسطينية".المهم ان هذه التصرفات قد تم تسليط الضوء الاعلامي عليها بشكل كبير وكان من امثلة ذلك تصريح "زيد الرفاعي" الشهير..
كما ان " عرفات" وقتها لم يبد أي تصرف ايجابي للحد من تلك الممارسات.. وبدات مشاعر الاردنيين تجاه الفصائل الفلسطينية المقيمة علي ارضها في التحول التدريجي من الترحيب الي القلق , ومن القلق الي الخوف ومن الخوف الي الغضب و من الغضب الي الصراع.. و كان ما كان..
واليوم اري ذات السيناريو يتكرر..ربما بتفاصيل اخري.. فاليوم هو في مصر..
و ربما لم يحن الوقت بعد لياخذ صورته الكاملة, لكنه في طريقه الي ذلك.. واليكم ما دفعني الي الاعتقاد بذلك..
اولا: رأيت ان الرئيس " مبارك" قد تعمد ترك الفلسطينيين يدخلون الي رفح والعريش, وليس في ذلك بطولة, لكنه يحاول بذلك ان يستعمل هؤلاء الجوعي المحاصرين كورقة ضغط علي جهات عدة منها البرلمان الاوروبي الذي وجه اليه ضربة موجعة بقراره الاخير..
ثانيا: تساؤل برئ.. كيف سيستطيع الرئيس مبارك اخراج هؤلاء الفلسطينيين من الاراضي المصرية واعادتهم الي غزة مرة اخري بعدما ينتهي دورهم كورقة ضغط و يحصل مبارك علي ما يريد؟.. الجواب هو : لن يستطيع .. ولن يكون امامه الا استخدام القوة الامنية – مثلما فعل يوم تخلص من تجمع اللاجئين السودانيين منذ اكثر من عامين – و لكنه سيستخدم قواته الامنية في الحدود التي تسمح بها معاهدة السلام.. وحينها لن نعدم اشتباكا هنا او اصابة هناك.. ربما بقصد مدبر و ربما بغير قصد.. وحينها سنبدا في الحديث عن جرائم الفلسطينيين داخل الاراضي المصرية و تصرفاتهم المستفزة..
وتدور دائرة" ايلول"..
و ليس هذا ببعيد.. فاليوم- و بعد اربعة ايام فقط من دخول الفلسطينيين الي الاراضي المصرية- نقرأ تصريح الدكتور زكريا عزمي بضبط 30 فلسطينيا في بني سويف وطابا بعضهم يحمل احزمة ناسفة و اسلحة, واعلن ايضا ان الفلسطينيين قد اعتدوا علي ضابطين مصريين حالتهما خطيرة..
لهذه الاسباب اري امامي شبح "ايلول".. و اخشي مجزرة وشيكة قد تحدث علي ارضنا بين طرفين ليستفيد منها عدوهما المشترك..
و ليس امامنا الا ان نتعلم من درس " ايلول" السابق لكي لا يتكرر..
فعلي اخواننا وضوفنا الفلسطينيين الا يخطئوا ذات الخطأ, والا يتركوا الفرصة لمن يتربص بنا بان يوقع بيننا وان يقتلهم بايدينا..
و علي الشعب المصري الا تستدرجه تلك الصيحات التي ستعلو مرددة شعارات كاذبة لتبرر بها قتل الاشقاء لصالح الاعداء..
كما ان علي اعلامنا الا يساهم في تاجييج نار الفتنة بتسليط الضوء علي سلوكيات قد تكون فردية وقد تكون مدبرة..
وعلي " هنية" الا يصمت صمت " عرفات " في حينه وان يتخذ موقفا ايجابيا اذا استدعي الامر ذلك..
و اخيرا.. علي الرئيس " مبارك"..ان يدير لعبته بشكل اكثر انسانية من الملك " الحسين".. و بحكمة تعرف العدو من الصديق..و الا يجعل التاريخ يكتب عن احد شهورنا القادمة انه كان " ايلولا اسود"..