الأربعاء، أبريل ٢٥، ٢٠٠٧

"شيطان.. رقيق"



ألا يبكي هذا الطفل ابدا..

دخل هذا "الطفل" الي المترو الذي اركبه بصحبة امه مفرطة البدانة، واخيه الذي كرهته لأنه ذكرني بي صغيرا..مثال الطفل الاحمق..السمين..منكوش الشعر..متسخ الوجه..لا يكف عن احلام اليقظة.. وتخيل نفسه في صور ليست هو علي اية حال..

اما الصغير..والذي لا يتعدي عمره السنوات الست..فقد كان هو الطفل الذي يخيفني ما بداخله اكثر من شفقتي عليه..طفل نحيف ..واسع العينين..كف عن الشعور بالألم منذ فترة..فما عادت تؤثر فيه ضربات امه المبرحة المليئة بالغيظ الغريب علي الامهات.. ولا شتائمها المهينة.. والتي لا تفعل فيه الا ان تؤكد له انه نجح في اثارة اعصابها..و ذلك يمتعه حقا..فيزيد في استفزازها اكثر فاكثر..حتي تياس و تكف عن كل شئ..و هنا فقط..يهدأ..
في انتظار أن تستعيد قوتها علي الانفعال مرة أخري..و هكذا..

دخل وفي يده "بوستر" ملفوف.. وهو يردد في حماسة عصبية.."ارقص..يا حضري"..و من فرط انفعاله يحدث اخيه البدين عن عصام الحضري وعن صورته التي اشترتها له امه بعد عناء والحاح شديد..و هو لا يكف عن ترديد.."ارقص..يا حضري"..و بينما هو يتكلم الي اخيه ..يوجه حديثه الي الركاب الواقفين في المترو..فواحد يتجاهله واخر يبتسم له في صمت..

كان في قمة انفعاله..

حتي قرر اخوه السمين الاحمق أن يمارس عليه دور الاخ الأكبر في أحد أحلام يقظته..فنهاه عن الكلام لأنه يؤذي الركاب..
فرصة لا تعوض بالنسبة له.. لكي يثير أعصاب هذا الاخ الاحمق..و هذه الام التي ترقب كل ذلك صامتة مترقبة..
فقال له الصغير في وقاحة.."انت هاتعمل عليا كبير ولا ايه يا عم"..ارتبك البدين للحظة..ثم حاول ان يضربه ضربة كانت خائفة مترددة كصاحبها..فتفاداها الصغير بخفة.. وذهب الي الجانب الاخر من العربة..مبتسما متلذذا باثارة اعصاب اخيه..الذي قال محذرا"ماشي..لما نروح البيت هاوريك"..كانت هذه اسعد لحظات الصغير..اذ يري اخاه الكبير محرجا وعاجزا عن التصرف..فاخذ يقول"يا عم روح ياعم" ويخرج له لسانه في استفزاز..
لم يجد الكبير ما يفعله..فردد تهديده للحظات ثم ادار ظهره لينظر من زجاج المترو باحثا عن حلم يقظة اخر..

لكن الصغير لا يرتاح لهذا الهدوء..فاقترب من أخيه الغافل.. وضربه بال"بوستر"الملفوف الذي يحمله علي مؤخرته الممتلئة..فجن جنون الكبير ودار يسب ويلعن والاخر غارق في الضحك..يلوح بال"بوستر" في الهواء مانعا اخاه من الاقتراب والاخر يحاول ان يقترب منه لياخذ ال"سلاح" فلا يستطيع..احيانا ينجح في توجيه ضربة او اثنين الي الصغير الذي لا يبدي اي تعبير عن الألم..الضرب كان مبرحا علي صغير مثله..مما اثار غيظي..الا يبكي هذا الشيطان ابدا..واخذ الصراع يحتدم.. والصوت يعلو.. وضحات الصغير تزداد شراسه..وسباب الكبير البدين يزداد علوا وعجزا.. و كلاهما يحاول ان يستحوذ علي السلاح الفتاك..

و هنا قررت الام انه لابد من التدخل..فتحركت من مكانها قليلا وكانها "أبو الهول" يفيق من سباته العميق..حتي اني شعرت ان بعض الرمال سوف تتناثر حول مقعدها..

وقالت في هدوء مرعب.."هات البتاعة دي"و كان الكبير قد استطاع لتوه ان يحصل عليها..فنظرلها الاثنان في خوف..و نظرا لبعض..الا ان اللهجة علت قليلا مما ينبئ بعاصفة قادمة.."هات البتاعة دي"..فسلمها الكبير اياها في خوف.. وابتعد كلاهما عنها بمسافة كافية وجسداهما ينتفضا..فامسكت الام ال"بوستر"بهدوء..و قطعته الي نصفين..ثم الي اربعة..و بهدوء قاس..قالت للصغير.."خد"..

مد الصغير يده واخذ بقايا لوحته..و لم يقل شيئا..و بدا عليه الارتباك.. والعجز..ثم ادار وجهه..لينظر من زجاج المترو..

وبكي..



الاثنين، أبريل ١٦، ٢٠٠٧

"دستور..فرانكنشتاين"



انتم تعرفون هذه القصة..قصة الطبيب الذي يصنع مسخا من اجزاء ادمية متفرقة..ليثير الرعب في قلوب اهل البلدة..ويرتكب بعض الجرائم..الا انه يفقد السيطرة عليه.. وينقلب المسخ في النهاية علي صانعه و يقتله..
كتبت هذه القصة ماري شيلي..وبرغم الخطا الشائع باطلاق اسم"فرانكنشتاين" علي المسخ مع انه اسم الطبيب..الا انه خطا في محله..فكلاهما مسخ..الا ان احدهما مسخ لا يعقل بينما الاخر كان مسخا عاقلا...



و هذه هي نهاية كل القصص المشابهة..التي يقتني او يصنع ابطالها مسوخا تخيف الاخرين..دائما ينقلب السحر علي الساحر...

لم اكن يوما من المهتمين بتعديل الدستور او ابقائه علي حاله..فقد كنت اعتبر الدستور نوعا من "العقد الاجتماعي" يتم باتقاق جميع فئات الشعب ليسري علي كل فئات الشعب ويلتزم به الجميع..لينظم الحياة ويمنع الظلم والفساد..

و لذا..فما نفع الدستور اذا لم يتفق عليه احد ولم يلتزم به احد..

فدستورنا لا تلتزم به السلطة التنفيذية الا فيما ندر..ولا يسري علي الشعب..الا الضعفاء والفقراء منهم..

و لذا لم اشغل بالي كثيرا بالتعديلات الدستورية الاخيرة..

كان هذا حتي قرات المادة 179 وقرات النص المقترح بعد التعديل..
لم افزع كما فزعت ساعتها..
شعرت برجفة تنتابني حين تصورت الوضع اذا ما مرت هذه التعديلات..

تصور انه وتحت مسمي " الارهاب" سيكون من حق اي فرد في الشرطة ان ينتهك كل حقوقك الدستورية..بالدستور ايضا..

تصور ان من من واجبه ان يصون حقوقك..صار الان حقا مشروعا له ان يسلبها كلها منك جملة واحدة..و بدون اعذار..

و تصور- وذلك هو الاسوأ- ان ذلك ليس وضعا طارئا لفترة مؤقته..بل ذلك هو الوضع الطبيعي الذي صار علينا اعتياده شئنا ام ابينا..

كل شئ صار متاحا الان بنص الدستور..حرمة بيتك..مكالماتك التليفونية..مراسلاتك..لم يعد شيئا اسمه خصوصية الافراد..

كل شئ منتهك..

ناهيك طبعا عن حق رئيس الجمهورية- وحده ودون الرجوع الي اي مؤسسه- ان يحول مدنيا ليحاكم محاكمة عسكرية..اي امام قاض غير قاضيه الطبيعي.. وهو الامر غير الدستوري اصلا..

وبكلمة واحدة..يمكنك ان تنتقل- دستوريا- من صفوف المواطنين الي صفوف اعداء الوطن..

"الارهاب"..

تلك الكلمة التي ليس لها تعريف واضح عندنا او حتي عند من عدلوا الدستور..
تلك الكلمة التي من اجلها اسقطت انظمة..لم يخطر حتي ببالنا ان تسقط يوما ما..
تلك الكلمة التي من اجلها قتل الالاف في فلسطين والعراق وافغانستان..
و اليوم "يرهب" بها النظام في مصر المعارضة التي "ترهبه"..هذا هو قانون الارهاب..

لكني علي ما رأيت من مساوئ التعديل..حاولت ان اري ابعد من ذلك..فوجدت قصة"فرانكنشتاين" تبرز لي..



تصور ان تطلق يد الجهاز الامني..كبيره وصغيره..علي مايحمل هذا الجهاز بالذات من فساد واستغلال للمناصب ليفعل مايشاء طالما كانت في مواجهة"الارهاب"..
كم ستستغل هذه "الفزاعة" لتصفية حسابات شخصية لضباط ومسئولين..
كم برئ سيتحول الي ارهابي لانه علي خلاف شخصي مع مسئول في الشرطة..
كم سيكسب النظام من عداوات واصحاب ثأر- فوق رصيده الحالي- بسبب هذا الاستغلال..

والادهي من ذلك..من سيتحكم في سلطة رجال اجهزة الامن بعد ان اطلقت يدهم في الكبير والصغير ولا سلطة تعلوهم ولا راد لقضائهم..من سيمنعهم من الظلم اذا استفحلت قوتهم بحجة نص الدستور..

تصور حجم الفوضي..

انظر الي الوضع بعد سنوات قليلة من الان..فاجد رجال الامن وقد صارت سلطتهم تعلو رجال السياسة وافراد الهيئات القضائية والشعب بأسره..
و اجد الشعب كله وقد صار ارهابيا في نظر الامن ورجاله..
وساعتها..علي النظام ان يخاف علي نفسه..فلا شئ سوف يحميه..ولا حتي جهازه الامني –المسخ الذي اطلق يده – لأنه سيكون قد فقد السيطره عليه تماما..
وستنتهي القصة كما تنتهي دوما..و ينقلب المسخ ليقتل من صنعه..